د. هبة جمال الدين تكتب: نظرية المؤامرة وإشكالياتها 

د. هبة جمال الدين
د. هبة جمال الدين

يتردد يوميا عبارة إنها نظرية المؤامرة كف عن الفكر التآمري، وقد نكون قد سمعنا أن الوباء الجديد هو مؤامرة، أو أن هناك تهديدات مرتبطة تكشف عن وجود مؤامرة في الخفاء، أو أن من يفضح خيوط مؤامرة هو أحد اتباع نظرية المؤامرة، أو أن حماية مقدرات الدولة أمر قابع في نظرية المؤامرة، فهل أصبحنا في مؤامرة علي أنفسنا ما الحقيقة وما هي المؤامرة ونقيضها؟

تساؤلات كثيرة تتشابك مع نظريات ملحة كالأمن القومي، والاكتشافات العلمية في ظل غياب ضوابط واخلاقيات العلم، والبحث في علوم المستقبل وما يحمله من تهديدات، واستمرار المطامع الاستعمارية التوسعية وبقاء قوي الاحتلال في العالم كالصهيونبة ومخططاتها التوسعية، وتلاعب بعض الساسة خاصةً قبل الانتخابات لحشد وتعبئة الأصوات، أو بعض رجال الدين من المرتزقة بمشاعر العامة وعواطفهم، وطمس الهوية في ظل الفضاء السيبراني وعالم الذكاء الاصطناعي وما أسسوه من عالم ما بعد الحقيقه.
وكمحاولة لتفكيك الإطار المعرفي لذلك الطرح ، لابد من فك الاشتباك حول وجودها ونفيها.
الأمر الذي يتطلب طرح عدد من التساؤلات المعرفية:

- هل التطور العلمي وما يحمله تجارب علمية بعضها يتنافي مع حقوق الانسان ، كالتجارة علي الأجنة في ظل اشكاليات غياب اخلاقيات العلم ، أمر لا ينفي نظرية المؤامرة أم يتوافق معها؟

- هل الفضاء السيبراني وما صاحبه من هجمات سيبرانية خفية لهوية الفاعل وربما الهجمة ذاتها ، أمر لا يفتح مجال لوجود مؤامرات في عالم الفوضي السيبرانية؟

- هل الفكر الأصولي المتطرف الذي تحمله بعض الجماعات الارهابية ويتساوي في خطورته مع الفكر الصهيوني المتطرف الذي يخلق حق زائف علي الأرض العربية ، ويحقر من شأن المكون البشري العربي أمر لا يطرح مجال للتأكيد من وجود مؤامرات علي الأرض؟

- هل نظرية الدمينو العربية التي حدثت بشكل متتالي في المنطقة العربية خلال ٢٠١١ ، أمر ليس له علاقة بالمؤامرات الخارجية؟

- هل أنترنت الأجسام وربط أجساد البشر بشبكة المعلومات الدولية ، أمر لا يفتح الباب للتلاعب بالجنس البشري؟

- هل تزييف التاريخ ومحاولات طمس الهوية وتهجير الشعوب وإحلالها بشعوب جديدة ، ذات مقولات زائفة كالافروسنتريك أمر ليس له علاقة بالمؤامرات الخارجية؟

للأسف ظهور مفهوم نظرية المؤامرة قد يكون في حد ذاته مؤامرة، لأنه يقلل من المخاطر الخارجية والتهديدات الخارجية، ويضرب النظرية الأمنية في مقتل تحت مسميات الأنفتاح والتطور.
ولكن المغالات منها قد تقود للخرافة والسذاجة والتلاعب والجهل، فالأمر يحتاج لضوابط معرفية وعلمية لتصديق وجود المخاطر في ظل عالم اللايقين.

كي لا يرتبط الإيمان بنظريات المؤامرة بتبني وجهات نظر متطرفة ومتشددة، وقد تساعد الناس في الحفاظ على وجهات النظر المتطرفة والعزلة والكراهية، والاغتراب والتحيزات، أو شيطنة الأعداء وجعلهم كبش فداء في ظل ارتفاع احتمالية اتخاذ القرارات العاجلة غير محسوبة العواقب.

الأمر الذي يتطلب الضبط العلمي والمنهجي، خاصة أن نظرية المؤامرة تستند علي الاستدلال الدائري للمغالطة المنطقية من قبل منظري المؤامرة، حيث يتم إعادة تفسير كل من الدليل ضد وجود المؤامرة ليصبح غياب الدليل عليها دليل في حد ذاتها على حقيقتها، فتصبح المؤامرة مسألة إيمانية وليس شيئًا يمكن إثباته أو دحضه. الأمر الذي يطلق عليه بالإستراتيجية المعرفية لنظريات المؤامرة "المنطق المتتالي" ففي كل مرة تتوفر أدلة جديدة، تكون نظرية المؤامرة قادرة على رفضها من خلال الادعاء بأن المزيد من الأشخاص يجب أن يكونوا جزءًا من عملية التستر. فأي معلومات تتعارض مع نظرية المؤامرة يُقترح أنها معلومات مضللة من خلال المؤامرة المزعومة فيصبح من يكشف عن خيوطها أمام العامة أحد أدواتها وربما أركانها.
فالفكر التأمري الذي يقبع خلف المؤامرة أو نفي وجودها لتشتيت الانتباه بالبعد عن العلم أو نفي الحيطة والحذر والتأمين، يرتكز خلف عدم الاعتماد علي الأدلة، بل على إيمان المؤمن. فيقارن نعوم تشومسكي نظرية المؤامرة بالتحليل المؤسسي الذي يركز في الغالب على السلوك العام طويل المدى للمؤسسات المعروفة علنًا. فتفترض نظرية المؤامرة على العكس من ذلك وجود تحالفات سرية للأفراد وتتكهن بأنشطتهم المزعومة. أي يبعد عن الدليل والعلمي المنضبط ، لتصبح المؤامرة أحد أركان عالم ما بعد الحقيقة، ويصبح من يستخدم الأدلة العلمية للكشف عن المؤامرة أحد أخطر مصادر التهديد لأصحاب المخطط التأمري فتؤكد كلير بيرشال بجامعة كينغز أن نظرية المؤامرة هي "شكل من أشكال المعرفة أو التفسير الشعبي". يشير استخدام كلمة "المعرفة" هنا إلى طرق يمكن من خلالها النظر في نظرية المؤامرة فيما يتعلق بأنماط المعرفة المشروعة. الأمر الذي يؤكده بيرشال فالعلاقة بين المعرفة المشروعة وغير المشروعة هي أقرب مما يؤكده الرفض الشائع لنظرية المؤامرة. لذلك أثبات وجوها من عدمه أمر يتطلب وجود أدلة علمية موثقة . لذلك تعد دراسات نقد الرواية الصهيونية، ودراسات تفنيد المخطط الابراهيمي، ودراسات ما بعد الكولونية من أخطر الدراسات الداحضة للفكر التأمري الصهيوني والاستعماري. 

لذلك فالمؤسسات الأمنية تطور من آليات البحث والأدلة الجنائية كمحاولة لتقنيد الخلط بين الفكر التأمري وعدم اليقين.

وإذا نظرنا لتاريخ ظهور مفهوم نظرية المؤامرة سنجده مرتبط بحدث أمني وهو التحقيق في مقتل الرئيس كنيدي بالستينات من القرن الماضي، وتزامن ظهور المفهوم مع نهاية حقبة الاستعمار في العالم فهل ظهورها لنفي وجود مطامع غربية في دول العالم النامي صاحبة الموارد؟ قد يكون هذا السؤال أمام البعض فكر تأمري في حد ذاته. ولكن العلم تطور بالتساؤلات والشك المتتالي في منظومة عدم اليقين. 

وقد يحمل في داخله بعض الصحة حيث ارتبط ظهور المفهوم بوكالة المخابرات المركزية الاميركية كما تدعي بعض المحللين كالعالم لانس ديهافن لتشويه منتقدي لجنة وارن التي تولت التحقيق في مقتل كيندي فيعتبر ديهافن أن وكالة المخابرات المركزية كانت مسؤولة عن تعميم مصطلح "نظرية المؤامرة" تم عبر وثيقة الـ CIA حول تقرير انتقاد لجنة وارن. 

مما يجعل المصطلح مشكوك فيه وفي الغرض منه ومن توظيفه.

إلا أن وجوده أو نفيه يرتبط بالأدلة العلمية فكم من المخططات يتم نفي وجودها أو الكشف عنها في ضوء غياب العلم والمعرفة التي لابد لها من اعتبارات أمنية تكفل الحيطة والحذر.